فصل: ذكر الفتنة ببلاد الصين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر استيلاء يعقوب على الأهواز وغيرها:

وفيها أقبل يعقوب بن الليث من فارس، فلما بلغ النوبندجان انصرف أحمد بن الليث عن تستر، فلما بلغ يعقوب جند يسابور ونزلهأن ارتحل عن تلك الناحية كل من بها من عسكر الخليفة، ووجه إلى الأهواز رجلاً من أصحابه يقال له الخضر بن العنبر، فلما قاربها خرج عنها علي بن أبان ومن معه من الزنج، فنزل نهر السدرة، ودخل الخضر الأهواز، وجعل أصحابه وأصحاب علي بن أبان بعضهم على بعض، ويصيب بعضهم من بعض، إلى أن استعد علي بن أبان وسار إلى الأهواز، فأوقع بالخضر ومن معه وقعة قتل فيها ن أصحاب الخضر خلقاً كثيرأن وأصاب الغنائم الكثيرة، وهرب الخضر ومن معه إلى عسكر مكرم.
وأقام علي بالأهواز ليستخرج ما كان فيها، ورجع إلى نهر لاسدرة، وسير طائفة إلى دورق، وأوقعوا بمن كان هناك من أصحاب يعقوب، وأنفذ يعقوب إلى الخضر مددأن وأمره بالكف عن قتال الزنج والاقتصار على المقام بالأهواز، فلم يجبهم علي إلى ذلك دون نقل طعام كان هناك، فأجابه يعقوب إليه، فقتله، وترك العلف الذي كان بالأهواز وكف بعضهم عن بعض.

.ذكر ملك الروم لؤلؤة:

وفيها سلمت الصقالبة لؤلؤة إلى الروم؛ وكان سبب ذلك أن أحمد بن طولون قد أدمن الغزوبطرسوس قبل أن يلي مصر، فلما ولي مصر كان يؤثر أن يلي طرسوس ليغزومنها أميرأن فكتب إلى أبي أحمد الموفق يطلب ولايتهأن فلم يجبه إلى ذلك، واستعمل عليها محمد بن هارون التغلبي، فركب في سفينة في دجلة فألقتها الريح إلى الشاطئ، فأخذه أصحاب مساور الشاري فقتلوه، واستعمل عوضه محمد بن علي الأرمني، وأضيف إليه أنطاكية، فوثب به أهل طرسوس فقتلوه، فاستعمل عليها أرخوز بن يولغ بن طرخان التركي، فسار إليهأن وكان غراً جاهلأن فأساء السيرة، وأخر عن أهل لؤلؤة أرزاقهم وميرتهم، فضجوا من ذلك، وكتبوا إلى أهل طرسوس يشكون منه ويقولون: إن لم ترسلوا إلينا أرزاقنا وميرتنا وإلا سلمنا القلعة إلى الروم.
فأعظم ذلك أهل طرسوس وجمعوا من بينهم خمسة عشر ألف دينار ليحملوها إليهم، فأخذها أرخوز ليحملها إلى أهل لؤلؤة، فأخذها لنفسه.
فلما أبطأ عليهم المال سلموا القلعة إلى الروم، فقامت على أهل طرسوس القيامة، لأنها كانت شبحاً في حلق العدو، ولم يكن يخرج للروم في بر أوبحر إلا رأوه وأنذروا به؛ واتصل الخبر بالمعتمد، فقلدها أحمد بن طولون واستعمل عليها من يقوم بغزوالروم ويحفظ ذلك الثغر.

.ذكر عدة حوادث:

وفي هذه السنة مات مساور الشاري، وكان قد رحل من البوازيج يريد لقاء عسكر قد سار إليه من عند الخليفة، فكتب أصحابه إلى محمد بن خرزاد وهوبشهرزور ليولوه أمرهم فامتنع، وكان كثير العبادة، فبايعوا أيوب ابن حيان الوارقي البجلي، فأرسل إليهم محمد بن خرزاد ليذكر لهم أنه نظر في أمره، فلم يسعه إهمال الأمر لأن مساوراً عهد إليه، فقالوا له: قد بايعنا هذا الرجل ولا نغدر به؛ فسار إليهم فيمن بايعه فقاتلهم، فقتل أيوب بن حيان، فبايعوا بعده محمد بن عبد اله بن يحيى الوارقي المعروف بالغلام، فقتل أيضأن فبايع أصحابه هارون بن عبد الله البجلي، فكثر أتباعه، وعاد عنه ابن خرزاد، واستولى هارون على أعمال الموصل، وجبى خراجه.
وفيها كانت وقعة بين موسى والأعراب، فوجه الموفق ابنه أبا العباس المعتضد في جماعة من قواده في طلب الأعراب.
وفيها وثب الديراني ابن أوس، فكبسه ليلأن فتفرق عسكره، ونهبه، ومضى ابن أوس إلى واسط.
وفيها ظفر أصحاب يعقوب بن الليث بمحمد بن واصل، فأسروه.
وفيها مات عبيد الله بن يحيى بن خاقان، وزير المعتمد، سقط بالميدان من صدمة خادم له، فسال دماغه من منخريه وأذنه، فمات لوقته، وصلى عليه الموفق، ومشى في جنازته، واستوزر من الغد الحسن بن مخلد، فقدم موسى بن بغا سامرأن فاختفى الحسن، واستوزر مكانه سليمان بن وهب، ودفعت دار عبيد الله إلى كيغلغ.
وفيها أخرج أخوشركب الحسين بن طاهر عن نيسابور، وغلب عليهأن وأخذ أهله بإعطائه ثلث أموالهم، وسار الحسين إلى مرووبها ابن خوارزم شاه يدعولمحمد بن طاهر.
وفيها سير محمد، صاحب الأندلس، ابنه المنذر في جيش كثير، وجعل طريقه على ماردة فلما جاز ماردة إلى أرض العدوتبعه تسع مائة فارس من العسكر، فخرج عليهم جمع كثر من المشركين قد استظهر، فاقتتلوا قتالاً كثيراً صبروا فيه، وقتل من المشركين عدد كثير، ثم استظهر ابن الجليقي ومن معه من المشركين على التسعمئة، فوضعوا السيف فيهم فقتلوهم عن آخرهم، وأكرمهم الله بالشهادة.
وفيها ابتدأ إبراهيم أمير إفريقية ببناء مدينة رقادة.
وفيها توفي أحمد بن حرب الطائي الموصلي أخوعلي بن حرب، توفي بآذنة من بلد الثغر.

.حوادث سنة أربع وستين ومائتين:

.ذكر اسر عبد الله بن كاوس:

في هذه السنة أسرت الروم عبد اله بن رشيد بن كاوس.
وكان سبب ذلك أنه دخل بلد الروم في أربعة آلاف من الأهل الثغور الشامية، فغمن وقتل، فلما رحل عن الساندون خرج عليه بطريق سلوقية، وبطريق قرة كوكب، وخرشنة، فأحدقوا بالمسلمين، فنزل المسلمون وعرقبوا دوابهم وقاتلوأن فقتلوا إلا خمس مائة، فإنهم حملوا حملة رجل واحد، ونجوا على دوابهم، وقتل الروم من قتلوأن وأسروا عبد الله بن رشيد بعد شربات أصابته، وحمل على ملك الروم.

.ذكر أخبار الزنج هذه السنة ودخولهم واسط:

قد ذكرنا سنة اثنتين وستين ومائتين مسير سليمان بن جامع إلى البطائح، وما كان منه مع أغرتمش، فلما أوقع به كتب إلى صاحبه يستأذنه في المسير إليه ليحدث به عهدأن ويصلح أمور منزله، فأذن له في ذلك، فأشار عليه الحياتي أن يتطرق إلى عسكر تكين البخاري، وهوبيزدود، فقبل قوله، وسار إلى تكين، فلما كان على فرسخ منه قال له الحياتي: الرأي أن تقيم أنت عاهنأن وأمضي أنا في السميريات، وأجر القوم إليك، فيأتونك وقد تعبوأن فتنال منهم حاجتك.
ففعل سليمان ذلك، وجعل بعض أصحابه كمينأن ومضى الحياتي إلى تكين، فقالته ساعة، ثم تطارد لهم، فتبعوه، فأرسل إلى سليمان يعلمه ذلك، وقال لأصحابه، وهوبين يدي أصحاب تكين شبه المنهزم، ليسمع أصحاب تكين قوله فيطمعوا فيه: غررتموني وأهلكتموني، وكنت نهيتكم عن الدخول ها هنأن فأبيتم، ولا أرانا ننجومنه.
وطمع أصحاب تكين وجدوا في طلبه، وجعلوا ينادون: بلبل في قفص، فما زالوا كذلك حتى جازوا موضع الكمين، وقاربوا عسكر سليمان، وقد كمن أيضاً خلف جدر هناك، فخرج سليمان إليهم في أصحابه فقاتلهم، وخرج الكمين من خلفهم، وعطف الحياتي على من في النهر، فاشتد القتال فانهزم أصحاب تكين من الوجوه كلهأن وركبهم الزنج يقتلونهم ويسلبونهم أكثر من ثلاثة فراسخ، وعادوا عنهم.
فلما كان الليل عاد الزنج إليهم وهم في معسكرهم، فكبسوهم، فقالتهم تكين وأصحابه، فانكشف سليمان، ثم عبأ أصحابه، فأمر طائفة أن تأتيهم من جهة ذكرها لهم، وطائفة في الماء، وأتى هوفي الباقين، فقصدوا تكين من جهاته كلهأن لم يقف من أصحابه أحد، وانهزموأن وتركوا عسكرهم، فغمن الونج ما فيه، وعادوا بالغنيمة، واستخلف سليمان الحياتي على عسكره، وسار إلى صاحبه، وكان ذلك سنة ثلاث وستين ومائتين.
فلا سار سليمان إلى الخبيث خرج الحياتي بالعسكر الذي خلفه سليمان معه إلى مازوران لطلب الميرة، فاعترضه جعلان، فقاتلهن فانهزم الحياتي، وأخذت سفنه، وأتته الأخبار أن منجوراً ومحمد بن علي حبيب اليشكري قد بلغا الحجاجية، فكتب إلى صاحبه بذلك، فسير إليه سليمان، فوصل إلى طهثا مجدأن وأظهر أنه يريد قصد جعلان، وقدم الحياتي، وأمره أن يأتي جعلان ويقف بحيث يراه ولا يقاتله.
ثم سار سليمان نحومحمد بن علي بن حبيب مجدأن فأوقع به وقعة عظيمة، وغمن غنائم كثيرة، وقتل أخاً لمحمد بن علي ورجع، وكان ذلك في رجب من هذه السنة أيضاً.
ثم سار في شعبان إلى قرية حسان وبها قائد يقال له حسن بن خمارتكين، فأوقع به، فهزمه، ونهب القرية واحرقها وعاد.
ثم سار في شعبان أيضاً إلى مواضع، فنهبها وعاد؛ ثم سار في رمضان واظهر أنه يريد جعلان لمازوران، فبلغت الأخبار إلى جعلان بذلك، فضبط عسكره، فتركه سليمان وعدل إليه فأرقع به وهوغار، وغمن منه ست شذوات، ثم أرسل الحياتي في جماعة لينتهب، فصادفهم جعلان، فأخذ سفنهم، وغمن منهم، فأتاه سليمان في البر، فهزمه، واستنقذ سفنهم، وغمن شيئاً آخر وعاد.
ثم سار سليمان إلى الرصافة في ذي القعدة، فأوقع بمطر بن جامع وهوبهأن فغمن غنائم كثيرة، وأحرق الرصافة واستباحهأن وحمل أعلاماً وانحدر إلى مدينة الخبيث، وأقام ليعيد هناك بمنزلة، فسار مطر إلى الحجاجية، فأوقع بأهلهأن وأسر جماعة، وكان بها قاض لسليمان، فأسره مطر وحمله إلى واسط، وسار مطر إلى قريب طهثا ورجع، فكتب الحياتي إلى سليمان بذلك، فسار نحوه فوافاه لليلتين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين، ثم صرف جعلان ووافى أحمد لن ليثويه بالشديدية.
ومضى سليمان إلى نهر أبان، وبه قائد من قواد أحمد، فأوقع به فقتله، ثم سار سليمان إلى تكين في خمس شذوات سنة أربع وستين، فواقعه تكين بالشديدية.
وكان أحمد بن ليثويه حينئذ قد سار إلى الكوفة وجنبلاء، فظهر تكين على سليمان، وأخذ الشذوات بما فيهأن وكان بها صناديد سليمان وقواده فقتلهم؛ ثم إن أحمد عاد إلى الشديدية، وضبط تلك الأعمال، حتى وافاه محمد بن المولد، وقد ولاه الموفق مدينة واسط، فكتب سليمان إلى الخبيث يستمده، فأمده بالخليل بن أبان في زهاء ألف وخمسمائة فارس، فلما أتاه المدد قصد إلى محاربة محمد بن المولد، ودخل سليمان مدينة واسط، فقتل فها خلقاً كثيرأن ونهب وأحرق، وكان بها إلى ابن منكجور البخاري، فقاتله يومه إلى العصر، ثم قتل، وانصرف سليمان عن واسط إلى جنبلاء ليعيث ويخرب، فأقام هناك تسعين ليلة، وعسكرهم بنهر الأمير.

.ذكر وزارة سليمان بن وهب للخليفة ووزارة الحسن بن مخلد وعزله:

وفيها خرج سليمان بن وهب من بغداد إلى سامرا وشيعه الموفق والقواد، فلما صار إلى سامرا غضب عليه المعتمد وحبسه وقيده وانتهب داره، واستوزر الحسن بن مخلد في ذي القعدة، فسار الموفق من بغداد إلى سامرا ومعه عبيد الله بن سليمان بن وهب، فلما قرب من سامرا تحول المعتمد إلى الجانب الغربي فعسكر به مغاضباً للموفق، واختلفت الرسل بينه وبين الموفق واتفقأن وخلع على الموف ومسرور وكيغلغ وأحمد بن موسى بن بغا وأطلق سليمان بن وهب وعاد إلى الجوسق، وهرب الحسن بن مخلد وأحمد ين صالح بن شيرزاد فكتب بقبض أموالهما وقبض أحمد بن أبي الاصبع، وهرب القواد الذين كانوا بسامرا مع المعتمد خوفاً من الموفق، فوصلووا إلى الموصل وجبوا الخراج.

.ذكر وفاة أماجور وملك ابن طولون الشام وطرسوس وقتل سيما الطويل:

وفي هذه السنة توفي أماجور مقطع دمشق، وولي ابنه مكانه، فتجهز ابن طولون ليسير إلى الشام فيملكه، فكتب إلى ابن أماجور له أن الخليفة قد أقطعه الشام والثغور، فأجابه بالسمع والطاعة، وسار أحمد، واستخلف بمصر ابنه العباس، فلقيه ابن أماجور بالرملة فأقره عليهأن وسار إلى دمشق فملكها وأقر أماجور على أقطاعهم، وسار إلى حمص فملكهأن وكذلك حماة، وحلب.
وراسل سيما الطويل بأنطاكية يدعوه إلى طاعته ليقره على ولايته، فامتنع، فعاوده فلم يطعه، فسار إليه أحمد بن طولون، فحصره بأنطاكية، وكان سيء السيرة مع أهل البلد، فكاتبوا أحمد بن طولون، ودلوه على عورة البلد، فنصب عليه المجانيق وقاتله، فملك البلد عنوة، والحصن الذي له، وركب سيما وقاتل قتالاً شديداً حتى قتل ولم يعلم به أحد، فاجتاز به بعض قواده فرآه قتيلأن فحمل رأسه إلى أحمد، فساءه قتله.
ورحل عن أنطاكية إلى طرسوس، فدخلها وعزم على المقام بهأن وملازمة الغزاة، فعلا السعر بهأن وضاقت عنه وعن عساكره، فركب أهلها إليه بالمخيم وقالوا له: قد ضيقت بلدنأن وأغليت أسعارنأن فإما أقمت في عدد يسير، وإما ارتحلت عنا؛ وأغلظوا له القول، وشغبوا عليه، فقال أحمد لأصحابه: لتنهزموا من الطرسوسيين، وترحلوا عنت البلد، ليظهر للناس وخاصة العدوأن ابن طولون على بعد صيته وكثرة عساكره لم يقدر على أهل طرسوس؛ وانهزم عنهم ليكون أهيب هم في قلب العدووعاد إلى الشام.
فأتاه خبر ولده العباس، وهوالذي استخلفه بمصر، أنه قد عصى عليه، وأخذ الأموال وسار إلى برقة مشاقاً لأبيه، فلم يكترث لذلك، ولم ينزعج له، وثبت، وقضى أشغاله، وحفظ أطراف بلاده، وترك بحران عسكرأن وبالرقة عسكراً مع غلامه لؤلؤ، وكان حران لمحمد بن أتامش، وكان شجاعأن فأخرجه عنها وهزمه هزيمة قبيحة.
واتصل خبره بأخيه موسى بن أتامش، وكان شجاعاً بطلأن فجمع عسكراً كثيراً وسار نحوحران، وبها عسكر ابن طولون، ومقدمهم أحمد ابن جيعويه، فلما اتصل به خبر مسير موسى أقلقه ذلك وأزعجه، ففطن له رجل من الأعراب يقال له أبوالأغر، فقال له: أيها الأمير أراك مفكراً منذ أتاك خبر ابن أتامش، وما هذا محله، فإنه طياش قلق، ولوشاء الأمير أن آتيه به أسيراً لفعلت. فغاظه قوله وقال: قد شئت أن تأتي به أسيراً؛ قال: فاضمم إلي عشرين رجلاً أختارهم؛ قال: افعل، فاختار عشرين رجلاً وسار بهم إلى عسكر موسى، فلما قاربهم كمن بعضهم، وجعل بينه وبينهم علامة إذا سمعوها ظهروا.
ثم دخل العسكر في الباقين في زي الأعراب، وقارب مضارب موسى، وقصد خيلاً مربوطة فأطلقهأن وصاح هووأصحابه فيها فنفرت، وصاح هوومن معه من الأعراب، وأصحاب موسى غارون، وقد تفرق بعضهم في حوائجهم، وانزعج العسكر، وركبوأن وركب موسى، فانهزم أبوالأغر من بين يديه، فتبعه حتى أخرجه من العسكر، وجاز به الكمين، فنادى أبوالأغر بالعلامة التي بينهم، فثاروا من النواحي، وعطف أبوالأغر على موسى فأسروه، فأخذوه وساروا حتى وصلوا إلى ابن جيعويه، فعجب الناس من ذلك، وحاروأن فسيره ابن جيعويه إلى ابن طولون، فاعتقله وعاد إلى مصر، وكان ذلك في سنة خمسين وستين ومائتين.

.ذكر الفتنة ببلاد الصين:

وفي هذه السنة ظهر ببلاد الصين إنسان لا يعرف، فجمع جمعاً كثراً من أهل الفساد والعامة، فأهمل الملك أمره استصغاراً لشأنه، فقوي، وظهر حاله وكثف جمعه؛ وقصده أهل الشر من كل ناحية، فأغار على البلاد وأخربهأن ونزل على مدينة خانقوا وحصرهأن وهي حصينة، ولها نهر عظيم، وبها عالم كثير من المسلمين، والنصارى، واليهود، والمجوس، وغيرهم من أهل الصين، فلما حصر البلد اجتمعت عساكر الملك وقصدته، فهزمهأن وافتتح المدينة عنوة، وبذل السيف، فقتل منهم ما لا يحصى كثرة.
ثم سار إلى المدينة التي فيها الملك، وأراد حصرهأن فالتقاه ملك الصين، ودامت الحرب بينهم نحوسنة، ثم انهزم الملك، وتبعه الخارجي إلى أن تحصن منه في مدينة من أطراف بلاده، واستولى الخارجي على أكثر البلاد والخزائن، وعلم أنه لا بقاء له في الملك إذ ليس هومن أهله، فأخرب البلاد، ونهب الأموال، وسفك الدماء.
فكاتب ملك الصين ملوك الهند يستمدهم، فأمدوه بالعساكر، فسار إلى الخارجي، فالتقوا واقتتلوا نحوسنة أيضأن وصبر الفريقان، ثم إن الخارجي عدم، فقيل إنه قتل، ون قيل بل غرق، وظفر الملك بأصحابه وعاد إلى مملكته، ولقب ملوك الصين يعفور، ومعناه ابن السماء تعظيماً لشأنه؛ وتفرق الملك عليه، وتغلبت كل طائفة على طرف من البلاد، وصار الصين على ما كن عليه ملوك الطوائف يظهرون له الطاعة، وقنع منهم بذلك، وبقي على ذلك مدة طويلة.

.ذكر ملك المسلمين مدينة سرقوسة:

وفي هذه السنة، رابع عشر رمضان، ملك المسلمون سرقوسة، وهي من أعظم صقلية.
وكان سبب ملكها أن جعفر بن محمد أمير صقلية غزاهأن فأفسد زرعهأن وزرع قطانية، وطبرمين، ورمطة، وغيرها من بلاد صقلية التي بيد الروم، ونازل سرقوسة، وحصرها براً وبحراً وملك بعض أرباضها ووصلت مراكب الروم نجدة لهأن فسير إليها أسطولأن فأصابوهأن فتمكنوا حينئذ من حصرهأن فأقام العسكر محاصراً لها تسعة اشهر، وفتحت، وقتل من أهلها عدة ألوف، وأصيب فيها من الغنائم ما لم يصب بمدينة أخرى، ولم ينج من رجالها إلا الشاذ الفذ.
وأقاموا فيها بعد فتحها بشهرين، ثم هدموهأن ثم وصل بعد هدمها من القسطنطينية أسطول، فالتقوا هم والمسلمون، فظفر بهم المسلمون، وأخذوا منهم أربع قطع، فقتلوا من فيهأن وانصرف المسلمون إلى بلدهم آخر ذي القعدة.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة سير محمد بن عبد الرحمن، صاحب الأندلس، ابنه المنذر في جيش إلى مدينة بنبلونة، وجعل طريقه على سرقسطة، فقاتل أهلهأن ثم انتقل إلى تطيلة، وجال مع مواضع بني موسى، ثم دخل بنبلونة، فخرب كثيراً من حصونها وأذهب زروعها وعاد سالماً.
وفيها سار جمع من العرب إلى مدينة جليقية، فكان بينهم وقعة عظيمة قتل فيها من الطائفتين كثير.
وفيها فرغ إبراهيم بن محمد بن الأغلب، صاحب إفريقية، من بناء رقادة، وكان ابتداء عمارتها سنة ثلاث وستين ومائتين، ولما فرغت انتقل إبراهيم إليها.
وفيها وجه يعقوب بن الليث إلى الصيمرة، مقدمة إليهأن واخذوا صعون فأحضروه عنده، فمات.
وفيها ماتت قبيحة أم المعتز.
وفيها وقع الطاعون بخراسان جميعها وقومس، فأفنى خلقاً كثيراً؛ وحج بالناس هذه السنة هارون بن محمد بن إسحاق بن موسى الهاشمي.
وفيها توفي أبوزرعة الرازي، واسمه عبيد الله بن عبد الكريم، وكان حافظاً للحديث ثقة؛ ومحمد بن إسماعيل بن عليه، وكان موته بدمشق.
وفيها مات أبوإبراهيم المزني، صاحب الشافعي، وكان موته بمصر؛ وعلي بن حرب الطائي، وكان إماماً في الحديث.

.حوادث سنة خمس وستين ومائتين:

.ذكر أخبار الزنج:

في هذه السنة كانت وقعة بين أحمد بن ليثويه وبين سليمان بن جامع والزنج بناحية جنبلاء.
وكان سببها أن سليمان كتب إلى الخبيث يخبره بحال نهر يسمى الزهري، ويسأله أن يأذن في عمله، فإنه متى أنفذه تهيأ له حمل ما في جنبلاء وسواد الكوفة، فأنفذ إليه نكرويه لذلك، وأمره بمساعدته، والنفقة على عمل النهر، فمضى سليمان فيمن معه وأقام بالشريطة نحواً من شهر، وشرعوا في عمل النهر.
وكان أصحاب سليمان، في أثناء ذلك، يتطرقون ما حولهم، فواقعه أحمد ابن ليثويه، وهوعامل الموفق بجنبلاء، فقتل من الزنوج نيفاً وأربعين قائدأن ومن عامتهم ما لا يحصى كثرة، وأحرق سفنهم، فمضى سليمان مهزوماً إلى طهثا.
وفيها سار جماعة من الزنوج في ثلاثين سميرية إلى جبل، فأخذوا أربع سفن فيها طعام وانصرفوا.
وفيها دخل الزنج النعمانية فأحرقوهأن وسبوأن وساروا إلى جرجرايأن ودخل أهل السواد بغداد.

.ذكر استعمال مسرور البلخي على الأهواز وانهزام الزنج منه:

وفيها استعمل الموفق مسروراً البلخي على كور الأهواز، فولى مسرور ذلك تكين البخاري، فسار إليها تكين، وكان علي بن أبان والزنج قد احاطوا بتستر، فخاف أهلهأن وعزموا على تسليمها إليهم، فوافاهم في تلك الحال تكين البخاري، فواقع علي بن أبان قبل أن ينزع ثيابه، فانهزم علي والزنج، وقتل منهم كثير، وتفرقوأن ونزل تيكن بتستر؛ وهذه الوقعة تعرف بوقعة باب كورك، وهي مشهورة.
ثم إن علياً قدم عليه جماعة من قواد الزنج، فأمرهم بالمقام بقنطرة فارس، فهرب منهم غلام رومي إلى تكين، وأخبره بمقامهم بالقنطرة، وتشاغلهم بالنبيذ، وتفرقهم في جمع الطعام، فسار تكين إليهم ليلأن فأوقع بهم، وقتل من قوادهم جماعة، فانهزم الباقون.
وسار تكين إلى علي بن أبان، فلم يقف له علي، وانهزم غلام له يعرف بجعفرويه، ورجع علي إلى الأهواز، ورجع تكين إلى تستر، وكتب علي إلى تكين يسأله الكف عن قتل غلامه، فحبسه، ثم تراسل علي وتكين وتهاديأن فبلغ الخبر مسروراً بميل تكين إلى الزنج، فسار حتى وافى تكين وقبض عليه، وحبسه عند إبراهيم بن جعلان، حتى مات وتفرق أصحاب تكين، ففرقة سارت إلى الزنج، وفرقة إلى محمد بن عبيد الله الكردي، فبلغ ذلك مسرورأن فأمنهم، فجاءه منهم الباقون؛ وكان بعض ما ذكرناه من أمر مسرور سنة خمس وستين، وبعضه سنة ست وستين ومائتين.

.ذكر عصيان العباس بن طولون على أبيه:

وفيها عصى العباس بن أحمد بن طولون على أبيه؛ وسبب ذلك أن أباه كان قد خرج إلى الشام، واستخلف أنه العباس، كما ذكرناه، فلما أبعد عن مصر حسن للعباس جماعة كانوا عنده أخذ الأموال والانشراح إلى برقة، ففعل ذلك، وأتى برقة في ربيع الأول.
وبلغ لخبر أباه، فعاد إلى مصر، وأرسل إلى ابنه ولاطفه واستعطفه، فلم يرجع إليه، وخاف من معه فأشاروا عليه بقصد إفريقية، فسار إليهأن وكاتب وجوه البربر، فأتاه بعضهم، وامتنع بعضهم، وكتب إلى إبراهيم بن الأغلب يقول: إن أمير المؤمنين قد قلدني أمر إفريقية وأعمالها؛ ورحل، حتى أتى حصن لبدة، ففتحه أهله له، فعاملهم أسوأ معاملة، ونهبهم، فمضى أهل الحصن إلى إلياس بن منصور النفوسي، رئيس الإباضية هناك، فاستعانوا به، فغضب لذلك، وسار إلى العباس ليقاتله.
وكان إبراهيم بن الأغلب قد أرسل إلى عامل طرابلس جيشأن وأمره بقتال العباس، فالتقوأن واقتتلوا قتالاً شديداً قاتل العباس فيه بيده، فلما كان الغد وافاهم إلياس بن منصور الإباضي في اثني عشر ألفاً من الإباضية، فاجتمع هووعامل طرابلس على قتال العباس، فقتل من أصحابه خلق كثير، وانهزم أقبح هزيمة، وكاد يؤسر، فخلصه مولى له، ونهبوا سواده واكثر ما حمله من مصر، وعاد إلى برقة أقبح عود.
وشاع بمصر أن العباس انهزم، فاغتم والده حتى ظهر عليه، وسير إليه العساكر لما علم سلامته، فقاتلوه قتالاً صبر فيه الفريقان، فانهزم العباس ومن معه، وكثر القتلى في أصحابه، وأخذ العباس أسيراً، وحمل إلى أبيه، فحبسه في حجرة في داره إلى أن قدم باقي الأسرى من أصحابه، فلما قدموا أحضرهم أحمد عنده، والعباس معهم، فأمره أبوه أن يقطع أيدي أعيانهم وأرجلهم، ففعل، فلما فرغ منه وبخه وذمه وقال له: هكذا يكون الرئيس والمقدم؟ كان الأحسن أنك كنت ألقيت نفسك بين يدي، وسألت الصفح عنك وعنهم، فكان أعلى لمحلك، وكنت قضيت حقوقهم فيما ساعدوك وفارقوا أوطانهم لأجلك، ثم أمر به فضرب مائة مقرعة، ودموعه تجري على خديه رقة لولده، ثم رده إلى الحجرة واعتقله وذلك سنة ثمان وستين ومائتين.